حقوق الرجال والنساء في الميراث

BB49 🇲🇦
0
حقوق الرجال والنساء في الميراث
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى‏:‏
للرجال نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون‏,‏ وللنساء نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون‏,‏ مما قل منه أو كثر‏,‏ نصيبا مفروضا‏(‏ النساء‏:‏ الآية‏7)‏
قال الإمام القرطبي ما ملخصه نزلت هذه الآية في أوس بن ثابت الأنصاري,‏ توفي وترك امرأة له يقال لها‏:‏ أم كجة وثلاث بنات له منها‏.‏
فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه يقال لهما‏:‏ سويد وعرفجة‏,‏ فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته وبناته شيئا وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغار وان كانوا ذكورا ويقولون‏:‏ لا يعطي إلا من قاتل على ظهور الخيل‏,‏ وطاعن بالرمح‏,‏ وضارب بالسيف‏,‏ وحاز الغنيمة‏.‏
فذهبت المرأة إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم ـ وذكرت له ما حدث من سويد وعرفجة‏.‏
فدعاهما رسول الله صلي الله عليه وسلم ـ فقالا‏:‏ يا رسول الله‏،‏ ولدها لا يركب فرسا‏,‏ ولا يحمل كلا‏,‏ ولا ينكأ عدوا؟‏!!‏

فقال لهما ـ صلى الله عليه وسلم ـ انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن‏,‏ فأنزل الله تعالي ـ هذه الآية ـ والمراد بالرجال هنا‏:‏ الذكور مطلقا سواء أكانوا كبارا آم صغارا‏,‏ والمراد بالنساء كذلك الإناث سواء أكن صغارا أم كبارا‏.‏
أي للذكور نصيب مما تركه الوالدان و الأقربون من متاع‏,‏ وللإناث كذلك نصيب مما تركه الوالدان و الأقربون‏,‏ بدون تفرقة بين الجنسين بحيث يُعطى جنس وهو جنس الرجال‏,‏ ويُحرَم جنس آخر وهو جنس النساء‏.‏
والمقصود من الآية الكريمة‏:‏ التسوية بين الذكور والإناث في أن لكل منهما حقا فيما ترك الوالدان و الأقربون‏.‏
وهذا الحق قد بينه ـ سبحانه ـ بصورة مفصلة في آيات المواريث التي نزلت بعد ذلك ومنها قوله ـ تعاليىـ يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين‏...‏
وقد أكد سبحانه ـ حق النساء في الميراث‏,‏ بأن اختار هذا الأسلوب التفصيلي فقال‏:‏
للرجال نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون‏,‏ وللنساء نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون
مع أنه كان يكفي أن يقول‏:‏ للرجال والنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون‏..‏
وذلك للإيذان بأصالتهن في استحقاق الإرث,‏ وللإشعار بأنه حق مستقل عن حق الرجال‏,‏ وان هذا الحق قد ثبت للنساء استقلالا بالقرابة كما ثبت للرجال‏,‏ حتى لا يتوهم أحد أن حقهنّ تابع لحقهم‏,‏ بأي نوع من أنواع التبعية‏.‏
ثم أكد سبحانه هذا الحق مرة أخرى بقوله‏'‏مما قل منه أو كثر‏.أي:
‏ إن حق النساء ثابت فيما تركه المتوفى من مال‏,‏ سواء أكان هذا المتروك قليلا أم كثيرا‏,‏ لان الذكور والإناث يتساويان في أن لكل منهما حقا فيما تركه الوالدان و الأقربون من مال‏,‏ حتى ولو كان هذا المال المتروك قليلا‏.‏
فقوله ـ تعالي ـ مما قل منه أو كثر عطف بيان على قوله‏:‏ مما ترك الوالدان و الأقربون لقصد التعميم والتنصيص على أن حق النساء متعلق بكل جزء من المال المتروك‏.‏
ثم أكد ـ سبحانه ـ حق النساء في الميراث مرة ثالثة بقوله‏:‏ نصيبا مفروضا
لأن قوله ـ تعالى ـ نصيبا منصوب على الاختصاص‏,‏ والاختصاص يفيد التأكيد والعناية أي‏:‏ أن لكل من الرجال والنساء نصيبا فيما تركه الوالدان و الأقربون‏,‏ وهذا النصيب قد فرضه الله ـ تعالى ـ فلا سبيل إلي التهاون فيه‏,‏ بل لابد من إعطائه لمن يستحق كاملا غير منقوص‏,‏ لأن الله ـ تعالى ـ هو الذي شرعه‏,‏ ومن خالف شرع الله‏,‏ كان أهلا للعقوبة منه ـ سبحانه‏.‏
هذا‏,‏ وقد استدل الأحناف بهذه الآية‏,‏ على توريث ذوي الأرحام,‏ لأن العمات والخالات وأولاد البنات ونحوِهِنّ من الأقربين‏,‏ فوجب دخولهم تحت ما اشتملت عليه هذه الآية‏,‏ وثبت كونهم مستحقين لأصل النصيب بهذه الآية,‏ و أما المقدار فمستفاد من آيات أخـَر,‏ فصّلت هذا النصيب‏,‏ وبينت ما يستحقه كل وارث ؛ أما المخالفون للأحناف فيما ذهبوا إليه,‏ فيرون أن المراد من الأقربين في الآية‏:‏ الوالدان والأولاد ونحوهم‏,‏ وحينئذ لا يدخل فيهم ذوو الأرحام‏.‏
وعلى رأي هؤلاء المخالفين يكون عطف الأقربين على الوالدين‏,‏ من باب عطف العام على الخاص‏.‏
وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد كرمت النساء تكريما عظيما‏,‏ حيث بيّنت أن للنساء حقوقا معلومة في الميراث‏,‏ كما أن للرجال كذلك حقوقا معلومة‏,‏ و أبطلت ما كان شائعا في الجاهلية من أن المرأة لا نصيب لها فيما تركه المتوفى سواء أكان أبا أم غيره‏..‏
و أثبتت بصورة مؤكدة حقهنّ فيما تركه الوالدان و الأقربون,‏ وحذرت كل من يخالف ذلك بعقاب شديد من الله ـ تعالى ـ
بل إن شريعة الإسلام قد جعلت هذا النصيب المعلوم من الميراث للنساء‏,‏ خالصا لهن‏ّ,‏ يتصرفنَ فيه بالطريقة التي يرونها أصلح لهن‏,‏ بدون إجبار من زوج أو أخ أو غيرهما على غير ذلك‏.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)