قِصَّةُ “غُولُ جِبَالِ بَنِي يَزْنَاسِن”
كَانَ يَا مَا كَانَ، فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ، وَفِي غَابَاتِ جِبَالِ بَنِي يَزْنَاسِن، كَانَ يَسْكُنُ أَرْبَعَةُ غِيلَانٍ عِظَامٍ، لاَ يَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ بِوُجُودِهِمْ، فَكَانُوا كَالأَسَاطِيرِ الَّتِي تُرْوَى وَلَا تُصَدَّقُ.
فِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ، قَرَّرَ سِتَّةُ أَصْدِقَاءَ شُجْعَانٍ، هُمْ: عَمْرو، و عُمَرٌ، وَ سَمِيرٌ، وَرَشِيدٌ، وَمَهْدِيٌّ، وَيَاسِينُ، أَنْ يَذْهَبُوا فِي رِحْلَةٍ اسْتِكْشَافِيَّةٍ لِـمَغَارَاتِ جِبَالِ بَنِي يَزْنَاسَنْ و غَابَاتِهَا.
بَعْدَ أَنْ زَارُوا "مَغَارَةَ الجَمَلِ"، ثُمَّ "مَغَارَةَ الحَمَّامِ" الَّتِي كَانَ الإِنْسَانُ يَسْكُنُهَا فِي الْعُصُورِ الْغَابِرَةِ، وَاصَلُوا مَسِيرَهُمْ نَحْوَ مَغَارَةِ “إِفْرِي تَافَّرِينْ”، وَهِيَ مَغَارَةٌ بَعِيدَةٌ، نَاحِيَّةَ فَزْوَانُ، فِي وَادٍ بِهِ شَجَرٌ كَثِيفٌ أَسْفَلَ سَفْحِ جَبَلٍ وَعِرٍ.
وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَيْهَا كَانَ اللَّيْلُ قَدْ حَلَّ، فَقَالُوا:
– سَنَنَامُ هُنَا اللَّيْلَةَ، وَنُوَاصِلُ غَدًا إِلَى "عَيْنِ أَلْـمُو".
فَأَوْقَدُوا نَارًا كَبِيرَةً لِلتَّدْفِئَةِ، وَغَرِقُوا فِي نَوْمٍ عَمِيقٍ.
وَبَيْنَمَا كَانُوا نِيَامًا، فَاجَأَهُم غُولٌ ضَخْمٌ، أَعْوَرُ العَيْنِ، بِشَكْلٍ مُرْعِبٍ، فَانْقَضَّ عَلَيْهِم وَأَكَلَ عَمْرُو، و عُمَرٌ، وَ سَمِيرٌ، وَرَشِيدٌ، وَمَهْدِيٌّ، وَشَبِعَ عَلَى يَاسِينٍ، فَتَرَكَهُ مُعَلَّقًا لِلْغَدِ.
وَفِي اللَّيْلِ، بَيْنَمَا كَانَ الغُولُ نَائِمًا، تَفَاوَجَ يَاسِينُ مِن قَيْدِهِ، وَنَزَلَ بِهُدُوءٍ، يَزْحَفُ عَلَى بَطْنِهِ، خَوْفًا مِن صَحْوَةِ الغُولِ.
فَرَأَى قَضِيبًا مِنْ الحَدِيدِ بِجَانِبِ النَّارِ الكَبِيرَةِ، فَوَضَعَهُ فِي الجَمْرِ حَتَّى احْمَرَّ وَتَوَهَّجَ كَالجَمْرِ، ثُمَّ أَخَذَهُ بِكُلِّ قُوَّتِهِ، وَغَرَزَهُ فِي عَيْنِ الغُولِ الأُخْرَى!
فَصَاحَ الغُولُ صَيْحَةً هَزَّتْ الجِبَالَ، وَجَاءَتْ الغِيلَانُ الثَّلَاثَةُ تَجْرِي، فَسَأَلُوهُ:
– مَنْ فَعَلَ بِكَ هَذَا؟!
فَقَالَ وَهُوَ يَتَلَوَّى مِنَ الأَلَمِ:
– البَارِحَةُ اصْطَدْتُ سِتَّةَ فِتْيَةٍ، أَكَلْتُ خَمْسَةً وَشَبِعْتُ عَلَى وَاحِدٍ، فَتَرَكْتُهُ لِلْغَدِ… لَكِنَّهُ تَسَلَّلَ وَأَعْمَى عَيْنِي!
فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ الغِيلَانُ الثَّلَاثَةُ بِغَضَبٍ وَقَالُوا:
– أَكَلْتَهمْ وَحْدَكَ طَمَعًا، فَلَمْ تَسْتَشِرْ وَلَا تَسْتَعِن، وَالآنَ – وَقَدْ عَمِيَتْ عَيْنَاكَ – تَسْتَجْدِينَا نَجْدَةً؟
فَتَرَكُوهُ يَصْرُخُ وَيَتَأَلَّمُ وَحْدَهُ، وَانْصَرَفُوا.
وَأَمَّا يَاسِينُ، فَقَدْ عَادَ لِيَأْخُذَ مِنْجَلاً كَانَ بِجَانِبِ الغُولِ، وَمَعَ كَوْنِ الغُولِ قَدْ أُصِيبَ بِالعَمَى، تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بِشَجَاعَةٍ، وَثَقَبَ بَطْنَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، فَسَقَطَ الغُولُ قَتِيلًا.
وَفَجْأَةً، سَقَطَ أَصْدِقَاؤُهُ الْخَمْسَةُ مِن بَطْنِهِ سَالِمِينَ، فَقَدْ كَانَ الغُولُ يَبْتَلِعُ ضَحَايَاهُ دُونَ أَنْ يَمْضُغَهُمْ، وَكَانُوا قَدْ فَقَدُوا الوَعْيَ فَقَط.
فَضَمَّهُمْ يَاسِينُ إِلَى صَدْرِهِ، وَبَكَى فَرَحًا بِنَجَاتِهِم، وَعَادُوا جَمِيعًا إِلَى قُرَاهُمْ فِي بَنِي يَزْنَاسَن، يُرْوُونَ قِصَّةَ الغُولِ الأَعْوَرِ الَّذِي أَكَلَهُمُ وَقَتَلُوهُ فِي الغَارِ!.
وَفِي صَبَاحِ الْيَوْمِ التَّالِي، اجْتَمَعَ أَهْلُ القُرَى، وَحَكَى لَهُمُ الفِتْيَةُ القِصَّةَ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنْ رُعْبٍ وَشَجَاعَةٍ، وَلَكِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ أَحَدٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
– هَذَا حُلْمٌ، أَوْ خُرَافَةٌ نَسَجَتْهَا خَيَالَاتُهُمْ!
وَقَالَ آخَرُونَ:
– لَعَلَّهُمْ ضَيَّعُوا الطَّرِيقَ وَاخْتَلَقُوا القِصَّةَ لِيُخْفُوا خَوْفَهُمْ!
وَبَيْنَ التَّشْكِيكِ وَالتَّصْدِيقِ، قَرَّرَ أَهْلُ القُرَى أَنْ يَذْهَبُوا مَعَ الفِتْيَةِ لِيَرَوْا بِأَعْيُنِهِم مَا حَدَثَ، وَيَتَأَكَّدُوا مِنَ الحَقِيقَةِ.
فَسَارُوا جَمِيعًا فِي طَرِيقٍ وَعِرٍ، يَتَقَدَّمُهُ يَاسِين، وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى الأَمَاكِنِ الَّتِي مَرُّوا بِهَا، حَتَّى وَصَلُوا إِلَى مَغَارَةِ إِفْرِي تَافَّرِين، الَّتِي لا تَزَالُ رَائِحَةُ الدُّخَانِ تَتَصَاعَدُ مِنْ جُدْرَانِهَا.
وَلَكِنْ… لَمْ يَجِدُوا الغُولَ، وَلَا أَثَرًا لِلْجُثَثِ، وَلَا شَيْئًا سِوَى رَمَادٍ سَاخِنٍ وَصُخُورٍ مُحْتَرِقَةٍ!.
فَقَالَ يَاسِين وَهُوَ يَتَفَقَّدُ زَوَايَا الغَارِ:
– هُنَا كُنَّا! هُنَا أَشْعَلْنَا النَّارَ… وَهُنَا كَانَ الغُولُ مَمْدُودًا صَرِيعًا!
فَاحْتَارُوا جَمِيعًا، وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فِي دَهْشَةٍ، وَقَالُوا بِصَوْتٍ مُنْخَفِضٍ:
– أَتُرَانَا كُنَّت نَحْلُمُ؟! لَقَدْ تَرَكُنَاهُ مَيِّتًا هُنَا… أَيْنَ هُوَ؟!
– أَلَمْ تُصَدِّقُونَا؟! نَحْنُ الَّذِينَ عِشْنَا هَوْلَ اللَّيْلَةِ… قَتَلْنَاهُ، نَعَمْ! فَكَيْفَ اخْتَفَى؟!
فَانْقَطَعَ الكَلَامُ، وَسَادَ صَمْتٌ غَرِيبٌ، كَأَنَّ الجِبَالَ أَيْضًا تَسْتَغْرِبُ.
فَقَالَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَهُوَ يَتَكِئُ عَلَى عَصَاهُ:
– لَعَلَّ الجِبَالَ تَبْتَلِعُ مَا تَشَاءُ… وَتُخْفِي أَسْرَارَهَا عَمَّنْ تَشَاءُ.
وَمُنْذُ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ، أَصْبَحَتْ قِصَّةُ الغُولِ الأَعْوَرِ وَالْفِتْيَةِ السِّتَّةِ تُرْوَى لِلصِّغَارِ،
يَرْوُونَهَا وَفِي أَنْفُسِهِم سُؤَالٌ لا يُجِيبُ عَنْهُ أَحَد:
هَلْ كَانَ الغُولُ حَقًّا مَوْجُودًا؟
وَلَكِنَّ الشُّجَاعَةَ الَّتِي أَبْدَاهَا يَاسِين وَبُكَاءَ أَصْحَابِهِ، كَانَتْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مَا جَرَى كَانَ حَقًّا.
وَمُنْذُ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ، أَصْبَحَ الغَارُ مَحَجًا لِكُلِّ فَضُولِيٍّ، وَتَحَوَّلَتْ قِصَّةُ يَاسِين وَالغُولِ إِلَى حِكَايةٍ يُرْوِيهَا الكِبَارُ لِلصِّغَارِ، فِي لَيَالِي الشِّتَاءِ، تَحْتَ الضَّوْءِ الخَافِتِ وَصَوْتِ الرِّيَاحِ فِي قُرَى جِبَالِ بَنِي يَزْنَاسِن…
تَأْلِيفٌ: مُصْطَفَى دَحْمَانِي
@dahmani_mustafa
🟢
القِصَّة:
القصة تحاكي التراث الشعبي المغربي .

