يجذب موضوع الاحتفال بالمولد النبوي إهتمامًا واسعًا بين المسلمين، خاصة مع اقتراب موعد ذكرى ميلاد النبي محمد ﷺ. ويختلف علماء الأمة في حكم هذا الاحتفال بين من يرى أنه بدعة مستحدثة في الدين، وبين من يراه مناسبة لتذكير المسلمين بسيرة النبي وتعاليمه.
في هذا المقال، سنتناول آراء علماء الإسلام حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي، مستعرضين بعض الأدلة الشرعية والمبررات التي يستند إليها كل فريق.
كلام علماء الإسلام حول الاحتفال بالمولد النبوي وحكمه على اختلاف مذاهبهم وآرائهم له جانبان:
الأول: أن الاحتفال بمولد النبي ﷺ لم يكن موجودا على عهد الصحابة والتابعين وبالتالي فهو بدعة .
الثاني : اعتقاد المحتفلين به أنه من باب تذكير الناس بالسيرة النبوية.
الأول : الأمر باتباع شرع الله ورسوله
فالقول بأن الاحتفال بالمولد بدعة منكرة قول صائب، وذلك لأنه لم يثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه احتفل بيوم مولده ، ولا عن الصحابة، ولا عن التابعين، مع أن سبب الاحتفال بالمولد موجود، ومع ذلك لم يفعلوه ولم يفعله من بعدهم من التابعين لهم بإحسان، ولو كان في مثل هذه الاحتفالات خير لفعله الصحابة، ولأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، و هذا دليل على أن هذه الاحتفالات ليست بمشروعة، وأنها من الأمور المحدثة.
الإحتفال بعيد المولد النبوي عند المالكية
من خلال نظرة مستبصرة لآراء علماء المذهب المالكي بخصوص حكم الاحتفال بالمولد النبوي، نجد أنّ المالكية شأنهم شأن غيرهم من علماء المذاهب، منهم من اعتقد مشروعيتها، ومنهم من اعتقد بدعية الاحتفال بالمولد النبوي، أما إمام المذهب وهو الإمام مالك رحمه الله فليس له قول بخصوص المسألة؛ لأنه لم يُعرَف الاحتفال بالمولد النبوي إلا في القرن الرابع الهجري.
الثاني: قول العلماء الذين استحسنوا الإحتفال بعيد المولد النبوي
استحسن بعض العلماء في مشارق الأرض ومغاربها ذلك العمل، و منهم الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني، وتلميذه الحافظ السخاوي، وكذلك الحافظ السيوطي وغيرهم و قالوا على أنها بدعة حسنة.
الدليل من السنة على أن الإحتفال بعيد المولد النبوي بدعة حسنة
دليلهم من السنة هو قوله صلى الله عليه وسلم : "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة" و منهم:
السيوطي، حيث قال: "عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف".
ابن الجوزي (حنبلي)، حيث قال عن المولد النبوي: "من خواصه أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام".
ابن حجر العسقلاني (شافعي)، حيث قال الحافظ السيوطي: "وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كانت بدعة حسنة، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين ، فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة، أو دفع نقمة.. إلى أن قال : وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي.. نبي الرحمة في ذلك اليوم، فهذا ما يتعلق بأصل عمله، وأما ما يعمل فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة".
السخاوي(شافعي، من أعلام و مؤرخي عصر المماليك)، حيث قال عن المولد النبوي: "لم يفعله أحد من السلف في القرون الثلاثة، وإنما حدث بعدُ، ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم".
ابن الحاج المالكي( من أعلام السنة، عرف عنه الإنقطاع عن الدنيا و الزهد و الصلاح)، حيث قال: "فكان يجب أن نزداد يوم الثاني عشر في ربيع الأول من العبادات والخير شكرا للمولى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة وأعظمها ميلاد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم". وقال أيضا: "ومن تعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم الفرح بليلة ولادته وقراءة المولد".
تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي
وقال أبو شامة : "وكان أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين، وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيره."
أنواع الاحتفال بالمولد النبوي
وإن من جملة ما أحدثه الناس من البدع المنكرة الاحتفال بذكرى المولود النبوي في شهر ربيع الأول، وهم في هذا الاحتفال على أنواع:
- منهم من يجعله مجرد اجتماع تُقرأ فيه قصة المولد , أو تقدم فيه خطب وقصائد في هذه المناسبة .
- ومنهم من يصنع الطعام والحلوى وغير ذلك , ويقدمه لمن حضر.
- ومنهم من يقيمه في المساجد، ومنهم من يقيمه في البيوت.
- ومنهم من لا يقتصر على ما ذكر، فيجعل هذا الاجتماع مشتملاً على محرمات ومنكرات من اختلاط الرجال بالنساء والرقص والغناء أو أعمال شركية كالاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم وندائه والاستنصار به على الأعداء وغير ذلك.
قال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية : 13/137) في ترجمة أبي سعيد كزكبوري : "(وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاٌ هائلاً .. إلى أن قال : قال البسط : حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي , وعشرة آلاف دجاجة , ومائة ألف زبدية , وثلاثين صحن حلوى .. إلى أن قال : ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقض بنفسه معهم."
وقال ابن خلكان في (وفيات الأعيان : 3/274) : "فإذا كان أول صفر زينوا تلك القباب بأنواع الزينة الفاخرة المتجملة , وقعد في كل قبة جوق من الأغاني وجوق من أرباب الخيال ومن أصحاب الملاهي , ولم يتركوا طبقة من تلك الطبقات (طبقات القباب) حتى رتبوا فيها جوقاً .
وتبطل معايش الناس في تلك المدة ، وما يبقى لهم شغل إلا التفرج والدوران عليهم ... " إلى أن قال : ( فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئاً كثيراً زائداً عن الوصف ، وزفها بجميع ما عنده من الطبول والأغاني والملاهي ، حتى يأتي بها إلى الميدان ... " إلى أن قال : " فإذا كانت ليلة المولد عمل السماعات بعد أن يصلي المغرب في القلعة ".
فهذا مبدأ حدوث الاحتفال وإحيائه بمناسبة ذكرى المولد ، حدث متأخراً ومقترنأً باللهو والسرف وإضاعة الأموال والأوقات وراء بدعة ما أنزل الله بها من سلطان.
والذي يليق بالمسلم إنما هو إحياء السنن وإماتة البدع ، وألا يقدم على عمل حتى يعلم حكم الله فيه .
وإذا عرضنا الاحتفال بالمولد النبوي لم نجد له أصلاً في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا في سنة خلفائه الراشدين ، إذن فهو من محدثات الأمور ومن البدع المضلة ، وهذا الأصل الذي تضمّنه هذا الحديث وقد دل عليه قوله تعالى : "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاًُ" النساء الاية 59
وهو بجميع أنواعه واختلاف أشكاله واختلاف مقاصد فاعليه لا شك ولا ريب أنه بدعة محرمة محدثة نسأل الله العافية والثبات على السنة والبعد عن البدعة، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). والله تعالى أعلم
المراجع:
موقع إسلام ويب
موقع إسلام سؤال و جواب
موقع الشيخ بن باز

