الذِّئْبُ وَالْقُنْفُذُ الْجَائِعُ

فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ، كَانَ هُنَاكَ ذِئْبٌ جَائِعٌ جِدًّا، لَمْ يَجِدْ مَا يَأْكُلُهُ طَوَالَ النَّهَارِ.
مَشَى الذِّئْبُ فِي الْغَابَةِ وَمَشَى، وَبَحَثَ وَفَتَّشَ هُنَا وَهُنَاكَ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا، أَبَدًا لَمْ يَجِدْ طَعَامًا!.
فَكَّرَ وَفَكَّرَ، ثُمَّ صَاحَ:
“وَاللهِ، مَا مِنْ خَلَاصٍ إِلَّا أَنْ آكُلَ جَارِي الْقُنْفُذَ! إِنَّهُ صَغِيرٌ، ضَعِيفٌ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُقَاوِمَنِي!”
وَمَا إِنْ خَطَرَتْ لَهُ هَذِهِ الْفِكْرَةُ، حَتَّى أَسْرَعَ إِلَى بَيْتِ الْقُنْفُذِ، وَقَرَعَ الْبَابَ قَائِلًا بِصَوْتٍ نَاعِمٍ مُزَيَّفٍ:
“يَا جَارِي الْعَزِيزُ! مَا رَأْيُكَ أَنْ نَتَنَزَّهَ مَعًا؟”
شَعَرَ الْقُنْفُذُ بِشَيْءٍ غَرِيبٍ، فَقَالَ فِي سِرِّهِ:
“وَاللهِ، إِنَّ الذِّئْبَ لَمَا كَانَ يَطْرُقُ الْأَبْوَابَ هَكَذَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يُخَطِّطُ لِشَيْءٍ! لَا بُدَّ مِنِ الْحَذَرِ!”
فَأَجَابَ الذِّئْبَ قَائِلًا:
“بِكُلِّ سُرُورٍ، وَلَكِنْ، اسْمَحْ لِي أَنْ أَرْتَدِيَ شَوْكِي، فَإِنَّهُ دِرْعِي وَحِمَايَتِي!”
وَعِنْدَمَا خَرَجَ الْقُنْفُذُ، كَانَ جَسَدُهُ مُغَطًّى بِأَشْوَاكٍ حَادَّةٍ كَالسُّيُوفِ، لَا يَقْتَرِبُ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا تَأَذَّى، بَلْ يَتَأَلَّمُ كَثِيرًا!
حَاوَلَ الذِّئْبُ الْقُرْبَ مِنْهُ، فَصَاحَ فِي لَحْظَةٍ:
“آآآخ! أَشْوَاكُكَ كَأَنَّهَا سُيُوفٌ! إِنَّهَا تُؤْلِمُنِي! وَاللهِ، لَنْ أُحَاوِلَ مَرَّةً أُخْرَى، أَبَدًا، أَبَدًا!”
فَرَّ الذِّئْبُ هَارِبًا وَهُوَ يَتَأَلَّمُ، أَمَّا الْقُنْفُذُ فَقَالَ وَهُوَ يَضْحَكُ:
“مَنْ ظَنَّنِي ضَعِيفًا، فَقَدْ أَخْطَأَ، وَاللهِ، إِنَّ الْحِكْمَةَ أَقْوَى مِنَ الْمَكْرِ!”
تأليف : مصطفى دحماني
الْعِبْرَةُ:
لَا لا تَسْتَخِفَّ بِصِغَرِ الْحَجْمِ، فَالصَّغِيرُ قَدْ يَكُونُ أَذْكَى وَأَقْوَى مِمَّا تَظُنُّ